فصل: وردت الأخبار بوقوع حادثة بين الأمراء القبالي والعثمانية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **


 وفي منتصفه حضر قصاد من الططر وعلى يدهم مكاتبات من الدولة بوقوع الصلح العام من الدولة والقرانات وعثمان باشا ومن معه من المخالفين على الدولة من جهة الروملي فعملوا شنكًا ومدافع ثلاثة أيام تضرب في كل وقت من الأوقات الخمسة وكتبوا أوراقًا وألصقوها في مفارق الطرق بالأسواق وقد تقدم مثل ذلك وأظنه من المختلقات‏.‏

وفي أواخره حضر حريم الباشا من الجهة الرومية وهما اثنتان إحداهما معتوقة أم السلطان والأخرى معتوقة أخته زوجة قبطان باشا وصحبتهما عدة سراري فأسكنهن ببيت الشيخ خليل البكري وقد كان عمره قبل حضورهن وزخرفه ودهنوه بأنواع الصباغات والنقوش وفرشوه بالفرش الفاخرة وفرش المحروقي مكانًا وكذلك جرجس الجوهري فرش مكانًا وأحمد بن محمد واعتنوا بذلك اعتناءً زائدًا حتى أن جرجس فرش بساطًا من الكشمير وغير ذلك وعمل وليمة العقد وعقد على الثنتين في آن واحد بحضرة القاضي والمشايخ وأهدوا لكل من الحاضرين بقجة من ظرائف الأقشمة الهندية والرومية وعملوا شنكًا وحراقة بالأزبكية عدة ليال‏.‏

واستهل شهر جمادى الأولى بيوم الاثنين سنة 1217 في يوم الاثنين ثامنه شنقوا ثلاثة من عساكر الأروام أحدهم بباب زويلة والثاني بباب الخرق والثالث بالأزبكية بالقرب من جامع عثمان كتخدا وقتلوا أيضًا شخصًا بالنحاسين‏.‏

وفي يوم الثلاثاء تاسعه عمل الباشا ديوانًا وفرق الجامكية على الوجاقلية‏.‏ وفيه

 

وردت الأخبار بوقوع حادثة بين الأمراء القبالي والعثمانية

وذلك أن شخصًا من العثمانية يقال له أجدر موصوفًا بالشجاعة والإقدام أراد أن يكبس عليهم على حين غفلة ليكون له ذكر ومنقبة في أقرانه فركب في نحو الألف من العسكر المعدودين وكانوا في طرف الجبل بالقرب من الهو فسبق العين الى الى الأمراء وأخبرهم بذلك فلما توسطوا سطح الجبل وإذا بالمصرلية أقبلت عليهم في ثلاثة طوابير فأحاطوا بهم فضرب العثمانية بنادقهم طلقًا واحدًا لا غير ونظروا وإذا بهم في وسطهم وتحت سيوفهم ففتكوا فيهم وحصدوهم ولم ينج منهم إلا القليل وأخذ كبيرهم أجدر المذكور أسيرًا وانجلت الحرب بينهم وأحضروا أجدر بين يدي الألفي فقال له لأي شيء سموك أجدر فقال الأجدر معناه الأفعى العظيم وقد صرت من أتباعك فقال لكن يحتاج الى تطريمك وإخراج سمك أولًا وأمر به فأخذوه وقلعوا أسنانه ثم قتلوه وأخذوا جميع ما كان معهم ومن جملة ذلك أربعة مدافع كبار‏.‏

وفيه قلدوا أحمد كاشف سليم إمارة أسيوط وعزل أميرها مقدار بك العثماني بسبب شكوى أهل النواحي من ظلمه‏.‏

وفي منتصفه تواترت الأخبار برجوع الأمراء القبالي الى بحري وأنهم وصلوا الى بني عدي فنهبوا غلالها ومواشيها وقبضوا أموالها وأعطوهم وصولات بختمهم وكذلك الحواوشة وما جاور ذلك من البلاد فشرع العثمانية بمصر في تشهيل جريدة وعساكر‏.‏

وفيه حضرت أيضًا عساكر كثيرة من هبود الأتراك والأرنؤد فأحضروا مشايخ الحارات وأمروهم بإخلاء البيوت لسكناهم فأزعجوا الكثير من الناس وأخرجوهم من دورهم بالقهر‏.‏

فحصل للناس غاية الضرر وضاق الحال بالناس وكلما سكنت منهم طائفة بدار أخربوها وأحرقوا أخشابها وطيقانها وأبوابها وانتقلوا الى غيرها فيفعلون بها كذلك ومن تكلم أو دافع عن دار وبخ بالكلام وقيل له عجب كنتم تسكنون الفرنسيس وتخلون لهم الدور وأمثال ذلك من الكلام القبيح الذي لا أصل له ولما شرعوا في تشهيل التجريدة حصلت منهم أمور وأذية في الناس كثيرة فمنها أنهم طلبوا الحمّارة المكارية وأمروهم بإحضار ستمائة حمار وشددوا عليهم في ذلك فقيل إنهم لما جمعوها أعطوهم أثمانها في كل حمار خمسة ريالات بعدته ولجامه مع أن فيها ما قيمته خمسون ريالًا خلاف عدته ثم ما كفاهم ذلك بل صاروا يخطفون حمير الناس من أولاد البلد بالقهر وكذلك حمير السقائين التي تنقل الماء من الخليج حتى امتنعت السقاؤون بالكلية وبلغ ثمن القربة الكتافي من الخليج عشرة أنصاف فضة وتعدى بالخطف أيضًا من ليس بمسافر فكانوا ينزلون الناس من على حميرهم ويذهبون بها الى الساحة ويبيعونها والبعض تبعهم واشترى حماره بالثمن فخبى جميع الناس حميرهم في داخل الدور فكان يأتي الجماعة من العسكر وينصتون بآذانهم على باب الدار ويتبعون نهيق الحمير وبعض شياطينهم يقف على الدور ويقول رز ويكررها فينهق الحمار فيعلمون به ويطلبونه من البيت فإما أخذوه أو افتداه وفيه حضر قاضي سكندرية الى مصر وذلك أنه لما حضر من اسلامبول طلع الى داره وحضرت إليه الدعاوى فأخذ منهم المحصول على الرسم المعتاد فأرسل إليه الانجليز ولاموه على عدم حضوره إليهم وقت قدومه وقالوا له إن أقمت هنا بتقليدنا إياك فلا نأخذ من أحد شيئًا ونرتب لك ثلاثة قروش في كل يوم وإلا فاذهب حيث شئت فحضر الى مصر بذلك السبب‏.‏

شهر جمادى الثانية سنة 1217 في خامسه سافرت العساكر الى الأمراء القبالي وسافر أيضًا عثمان بك الحسني وباقي العساكر المعزولين وأمير العساكر العثمانية محمد علي سرششمه وكان الباشا أرسل ابراهيم كاشف الشرقية بجواب إليهم فرجع في ثامنه بجواب الرسالة وأعطاه الألفي ألفي ريال وقدم له حصانين وحاصل تلك الرسالة كما تقدم الأمان لجميع الأمراء المصرلية وأنهم يحضرون الى مصر ويقيمون بها ولهم ما يرضيهم من الفائظ وغيره ما عدا الأربعة الأمراء وهم ابراهيم بك والألفي والبرديسي وأبا دياب فإنهم مطلوبون الى حضرة السلطان يتوجهون إليه مع الأمن عليهم ويعطيهم مناصب وولايات كما يحبون فإن لم يرضوا بذلك فيأخذوا إقطاع أسنا ويقيمون بها فلما وصل ابراهيم آغا المذكور الى أسيوط وأرسل إليهم أرسلوا إليه أحمد آغا شويكار ومحمد كاشف الألفي فانتظروه خارج الجبانة فخرج إليهم ولاقوه وأخذوه وصحبتهم الى عرضيهم وأنزلوه بوطاق بات به فلما أصبح الصباح طلبوه الى ديوانهم فحضر ووقف عساكرهم صفوفًا ببنادقهم وفيهم كثير على هيئة اصطفاف الفرنسيس وعملوا له شنكًا ومدافع‏.‏

ثم أعطاهم المكاتبة بحضرة الجميع فقرؤوها ثم تكلم الألفي وقال‏:‏ أما قولكم نذهب الى اسلامبول ونقابل السلطان ينعم علينا فهذا مما لا يمكن وإن كان مراده أن ينعم علينا فإننا في بلاده وأنعامه لا يتقيد بحضورنا بين يديه وأما بقية إخواننا فهم بالخيار إن شاؤوا أقاموا معنا وإلا ذهبوا وكل إنسان أمير نفسه وأما كون حضرة الباشا يعطينا إقطاع أسنا فلا يكفينا هذا وإنما يكفينا من أسيوط الى آخر الصعيد ونقوم بدفع خراجه فإن لم يرضوا بذلك فإن الأرض لله ونحن خلق الله نذهب حيث شئنا ونأكل من رزق الله ما يكفينا ومن أتى إلينا حاربناه حتى يكون من أمرنا ما يكون ثم استقروا بنقطرة اللاهون وكسروا القنطرة وشرعوا في قبض الأموال من بلاد الفيوم فلما رجع ابراهيم كاشف بذلك الجواب ركب الباشا في صبحها الى الآثار واستعجل العسكر بالذهاب فعدوا الى البر الغربي وتأخر عنهم عثمان بك الحسني والغز المصرلية وباتوا بطرا‏.‏

وفيه شنق الباشا رجلا طبجيًا في المشنقة التي عند قنطرة الغربي ثم أن عثمان بك أرسل الى الباشا يطلب حسين آغا شنن ومصطفى آغا الوكيل ليتفاوض معهما في كلام فأرسل له ابراهيم آغا كاشف الشرقية فأعطاه الخلعة التي خلعها الفرنسيس وبلوت معهم ثم أني حضرت بأمان طائعًا فلم أجاز ولم يحصل ما كنت أؤمله ولم يوفوا معي وعدًا وأنا لا أقاتل إخواني المسلمين وأختم عملي بذلك ولا أقيم بمصر آكل الصدقة وإنما أذهب سانحًا في بلاد الله وكان في ظن عثمان بك أنه إذا أتى الى مصر على هذه الصورة يجعله الباشا أمير البلد أو أمير الحاج‏.‏

وفيه أمر الباشا محمد كتخدا المعروف بالزربة بالسفر الى جهة قبلي فاستعفى من ذلك فأمر بقتله فشفع فيه يوسف كتخدا الباشا وقال إن له حرمة وقد كان في السابق كتخدا لأفندينا ولا يناسب قتله على هذه الصورة فأمر بسفره الى جهة البحيرة محافظًا فسافر من يومه وأما عثمان بك فإنه ركب وذهب الى جهة قبلي مشرقًا على غير الرسم وأشيع ذلك في الناس ولغطوا به فلما تحقق العثمانية ذلك رسموا الطوائف العسكر أن يقيموا منهم طوائف بالقلاع التي على التلول ونصبوا عليها بيارق وأوقفوا حرسًا على أبواب المدينة يمنعون من يخرج من المدينة من الغز الخيالة المصرلية فمن خرج الى بولاق أو غيرها فلا يخرج إلا بورقة من كتخدا الباشا‏.‏

وفي ليلة الجمعة عاشره أمر الباشا بكبس بيوت الأمراء الحسنية ونهب ما بها من الخيول والجمال والسلاح‏.‏

وفيه حضر أغات التبديل الى بيت الخربطلي بعطفة خشقدم وبه جماعة من عسكر المغاربة فكبس عليهم وقبض على جماعة منهم وكتفهم وكشف رؤوسهم وأحاطت بهم عساكره وسحبوهم وأخذوا ما وجدوه في جيوبهم على هيئة شنيعة ومروا بهم على الغورية ثم على النحاسين وباب الشعرية حتى انتهوا بهم الى الأزبكية على حارة النصارى ودخلوا بهم بيت الباشا وهم لا يعملون لهم ذنبًا فلما مثلوا بين يدي كتخدا الباشا ذكر لهم أن بجوارهم دير للنصارى وأنهم فتحوا طاقًا صغيرًا يطل على الدير فقالوا لا علم لنا بذلك وأخبروا أن جماعة من الأرنؤد ساكنون معهم بأعلى الدار فيحتمل أن ذلك من فعلهم فأرسلوا من كشف على ذلك فوجدوه كما قال المغاربة فأطلقوهم بعد هذه الجرسة الشنيعة ومرورهم بهم الى حارة النصارى وأخذ دراهمهم ومتاعهم والأمر لله وحده‏.‏

وفيه أشيع مرور جماعة من الغز القبالى على جهة الجيزة الى جهة سكندرية وكذلك جماعة من الانجليز من سكندرية الى قبلي‏.‏

وفيه تداعى مصطفى خادم مقام سيدي أحمد البدوي مع نسيبه سعد بسبب ميراث أخته فقال مصطفى أنا أحاسبه على خمسين ألف ريال فقال سعد أنا أستخرج منه مائتي ألف ريال بشرط أن تعوقوه هنا وتعطوني خادمه وجماعة من العسكر ففعلوا ذلك وعوقوه ببيت السيد عمر النقيب وتسلم سعد خادمه والعسكر ذهب بهم الى طندتا فعاقبوا الخادم فأقر على مكان أخرجوا منه ستة وثلاثين ألف ريال فرانسه ثم فتحوا بئرًا مردومة بالأتربة وأخرجوا منها ريالات فرانسه وأنصافًا وأرباعًا وفضة عددية كلها مخلوطة بالأتربة وقد ركبها الصدأ والسواد فأحضروها وجلوها في قاعة اليهود ولم يزالوا يستخرجون حتى غلقوا مائة وسبعة وثمانين ألف وسبعمائة وكسورًا وآخر الأمر أخرجوا خبيئة لا يعلم قدرها ثم حصل العفو ورجع العسكر وأخذوا كراء طريقهم وأخذوا من أولاد عمه عشرة أكياس‏.‏

وفي يوم السبت حادي عشره كان آخر التسخير في نقل التراب من العمارة وكان آخر ذلك طائفة الخردة من الغياش والقرادتية وأرباب الملاعيب وبطل الزمر والطبل واستمر الفعلة في حفر الأساس ورشح عليهم الماء بأدنى حفر لكون أن ذلك في وقت النيل والبركة ملآنة بالماء حول ذلك‏.‏

وفي خامس عشره خرجت عساكر ودلاة أيضًا وسافروا الى قبلي‏.‏

وفي ثالث عشرينه سافر عساكر في نحو الأربعين مركبًا الى جهة البحيرة بسبب عرب بني علي فإنهم عانوا بالبحيرة ودمنهور‏.‏

ومن الحوادث السماوية أن في تلك الليلة وهي ليلة الأربعاء ثاني عشرينه احمرت السماء بالسحاب عند غروب الشمس حمرة مشوبة بصفرة ثم انجلت وظهر في أثرها برق من ناحية الجنوب في سحاب قليل متقطع وازداد وتتابع من غير فاصل حتى كان مثل شعلة النفط المتوقدة المتوجة بالهواء واستمر ذلك الى ثالث ساعة من الليل ثم تحول الى جهة المغرب وتتابع لكن بفاصل على طريقة البرق المعتاد واستمر الى خامس ساعة ثم أخذ في الاضمحلال وبقي أثره غالب الليل وكان ذلك ليلة سادس عشرين درجة من برج الميزان وحادي عشر بابه القبطي وثامن تشرين أول الرومي ولعل ذلك من الملاحم المنذرة بحادث من الحوادث‏.‏

وفيه ورد الخبر بورود مركب من فرانسا وبها الجي وقنصل وصحبتهما عدة فرنسيس فعمل لهم الانكليز شنكًا ومدافع بالاسكندرية فلما كان ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه وصل ذلك الألجي لملاقاتهم خازنداره وصحبته عدة عساكر خيالة وبأيديهم السيوف المسلولة فقابلوهم وضربوا لهم مدافع من بولاق والجيزة والأزبكية وركبوا الى دار أعدت لهم بحارة البنادقة وحضروا في صبحها الى عند الباشا وقابلوه وقدم لهم خيلًا معدة وأهدى لهم هدايا وصاروا يركبون في هيئة وأبهة معتبرة وكان فيهم جبير ترجمان بونابارته‏.‏

وفيه وردت الأخبار بأن الغز القبالي نهبوا بلاد الفيوم وقبضوا أموالها ونهبوا غلالها ومواشيها وحرقوا البلاد التي عصت عليهم وقتلوا ناسها حتى قتلوا من بلدة واحدة مائة وخمسين نفرًا وأما العثمانية الكائنون بالفيوم فإنهم تحصنوا بالبلدة وعملوا لهم متاريس بالمدينة وأقاموا داخلها‏.‏

شهر رجب الفرد سنة 1217 استهل بيوم الجمعة فيه رموا أساس عمارة الباشا وكان طلب من الفلكيين أن يختاروا له وقتًا لوضع الأساس ففعلوا ذلك وكان بعد اثني عشر يومًا من يوم تاريخه فاستبعده وأمر برمي الأساس في اليوم المذكور‏.‏

ورب النجم يفعل ما يشاء‏.‏

وفيه أحضروا أربعة رؤوس فوضعت عند باب الباشا زعموا أنهم من قتلى الغز المصرلية‏.‏

وفي خامسه يوم الثلاثاء سافر الألجي الفرنساوي وأصحابه فنزلوا الى بولاق وأمامهم مماليك الباشا بزينتهم وهم لابسون الزروخ والخود وبأيديهم السيوف المسلولة وخلفهم العبيد المختصة بالباشا وعلى رؤوسهم طراطير حمر وبأيديهم البنادق على كواهلهم فلم يزالوا صحبتهم حتى نزلوا ببيت راشتو ببولاق ثم رجعوا ثم نزلوا المراكب الى دمياط وضربوا لهم مدافع عند تعويمهم السفن‏.‏

وفيه أشيع انتشار الأمراء القبالي الى جهة بحري وحضروا الى إقليم الجيزة وطلبوا منها الكلف حتى وصلوا الى وردان‏.‏

وفيه حضر محمد كتخدا المعروف بالزربة الذي كان كتخدا الباشا وتقدم أنه كان أمره بالسفر الى قبلي فامتنع وأذن له بالسفر الى البحيرة محافظًا فلما تقدم طوائف الأمراء الى بحري فمر منهم جماعة قليلة على محمد كتخدا الزربة المذكور فلم تيعرض لهم مع قدرته على تعويقم فبلغ الباشا ذلك فحقدها عليه وأرسل إليه وطلبه الى الحضور فحضر فلما كان يوم السبت تاسعه طلبه الباشا في بكرة النهار فلما أحضر بقتله فنزل به العسكر ورموا رقبته عند باب الباشا ثم نقلوه الى بين المفارق قبالة حمام عثمان كتخدا فاستمر مرميًا عريانًا الى قبيل الظهر ثم شالوه الى بيته وغسلوه في حوش البيت سكنه ودفنوه وعند موته أرسل الدفتردار فختم على داره وأخرج حريمه وفي ثاني يوم أحضروا تركته ومتاعه وباعوا ذلك ببيت الدفتردار‏.‏

وفيه وردت مكاتبات من الديار الرومية وفيها الخبر بعزل شريف أفندي الدفتردار وولاية خليل أفندي الرجائي المنفصل عن الدفتردارية عام أول فحزن الناس لذلك حزنًا عظيمًا فإن أهل مصر لم يروا راحة من وقت دخول العثمانية الى مصر بل من نحو أربعين سنة سوى هذه السنة التي باشرها هو فإنه أرضى خواطر الصغير قبل الكبير والفقير قبل الغني وصرف الجامكية وغلال الأنبار عينًا وكيلًا وكان كثير الصدقات ويحب فعل الخير والمعروف وكان مهذبًا في نفسه بشوشًا متواضعًا وهو الذي أرسل يطلب الاستعفاء من الدفتردارية لما رأى من اختلال أحكام الباشا‏.‏

وفي يوم الاثنين حادي عشره عدى يوسف كتخدا الباشا الى بر انبابة وعدى معه الكثير من العسكر ونصب العرضي ببر انبابة على ساحة البحر وأشيع وصول الأمراء الى ناحية الجسر الأسود وقطعوا الجسر لأجل تصفية المياه وانحدارها من الملق لأجل مشي الحافر ثم رجعوا الى ناحية المنصورية وبشتيل واستمر خروج العساكر العثمانية التي كانت جهة قبلي الى بر انبابة وهم كالجراد المنتشر ونصبوا وطاقهم ظاهر انبابة واستمر خروج العساكر والطلب ونقل البقسماط والجبخانة على الجمال والحمير ليلًا ونهارًا وأخذوا المراكب ووسقوها معهم في البحر وغصبوا ما وجدوه من السفن قهرًا وانتشرت عساكرهم وخيامهم ببر انبابة حتى ملأوا الفضاء بحيث يظن الرائي لهم أنهم متى تلاقوا مع الغز المصرلية أخذوهم تحت أقدامهم لكثرتهم واستعدادهم بحيث كان أوائل العرضي عند الوراريق وآخرهم بالقرب من بولاق التكر ورطولا ثم أن الأمراء رجعوا الى ناحية وردان والطرانة‏.‏

وفي يوم الجمعة خامس عشره انتقل العرضي من بر انبابة وحلوا الخيام وفي ثاني يوم خرجت عساكر خلافهم ونصبت مكانهم وسافروا وخرج خلافهم وهكذا دأبهم في كل يوم تخرج طائفة بعد أخرى‏.‏

وفيه رسم الباشا بألف أردب فتح أنعام تفرق على طلبة العلم المجاورين والأروقة بالجامع الأزهر ففرقت بحسب الأغراض وأنعم أيضًا بعد أيام بألف أردب أخرى فعل بها كذلك‏.‏

وإنها خطرات من وساوسه يعطي ويمنع لا بخلًا ولا كرما وفي يوم الأحد سابع عشره وصلت جماعة ططر وأخبروا بتقليد شريف محمد أفندي الدفتردار ولاية جدة‏.‏

وفي يوم الثلاثاء تاسع عشره خرج طاهر باشا ونصب وطاقه جهة انبابة للمحافظة وخرجت عساكره ونصبت وطاقاتهم ببر انبابة أيضًا متباعدين عن بعضهم البعض واستمروا على ذلك‏.‏

وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه حضر رجل من طرف الدولة يقال له حجان وهو رجل عظيم من أرباب الأقلام وعلى يده فرمان فأرسل الباشا الى شريف أفندي الدفتردار والقاضي والمشايخ وجمعهم بعد صلاة الجمعة وقرئ عليهم ذلك الفرمان وهو خطاب الى حضرة الباشا وملخصه أننا اخترناك لولاية مصر لكونك ربيت بالسراية ولما نعلمه منك من العقل والسياسة والشجاعة وأرسلنا إليك عساكر كثيرة وأمرناك بتقال الخائنين وإخراج الأربعة أنفار من المناصب في غير إقليم مصر وإكرامهم غاية الإكرام إن امتثلوا الأوامر السلطانية وأطلقنا لك التصرف في الأموال الميرية لنفقة العسكر واللوازم وما عرفناه موجب تأخير أمرهم لهذا الوقت فإن كان لقلة العساكر أرسلنا إليك كذلك إن لم يمتثلوا وكل من انضم إليهم كان مثلهم ومن شذ عنهم وطلب الأمان فهو مقبول وعليه الأمان الى آخر ما ذكر من ذلك المعنى‏.‏

وفي يوم السبت ثالث عشرينه كتبت أوراق بمعنى ذلك وألصقت بالطرقات‏.‏

وفي خامس عشرينه تواترت الأخبار بوقوع معركة بين العثمانيين والأمراء المصرلية بأراضي دمنهور وقتل من العساكر العثمانية مقتلة عظيمة وكانت الغلبة للمصرليين وانتصروا على العثمانيين وصورة ذلك أنه لما تراءى الجمعان واصطفت عساكر العثمانيين الرجالة ببنادقهم واصطفت الخيالة بخيولهم وكان الألفي بطائفة من الأجناد نحو الثلاثمائة قريبًا منهم وصحبتهم جماعة من الانكليز فلما رأوهم مجتمعين لحربهم قال لهم الانكليز ماذا تصنعون قالوا نصدمهم ونحاربهم قال الانكليز انظر واما تقولون إن عساركرهم الموجهين إليكم أربعة عشر ألفًا وأنتم قليلون قالوا النصر بيد الله فقالوا دونكم فساقوا إليهم خيولهم واقتحموا الى الخيالة فقتل منهم من قتل فانهزم الباقون وتركوا الرجالة خلفهم ثم كروا على الرجالة فلم يتحركوا بشيء وطلبوا الأمان فساقوا منهم نحو السبعمائة مثل الأغنام وأخذوا الجبخانة والمدافع وغالب الحملة والانكليز وقوف على علوة ينظرون الى الفريقين بالنظارات فلما تحقق الباشا ذلك اهتم في تشهيل عساكر ومدافع وعدوا الى بر انبابة ونصبوا وطاقهم هناك‏.‏

وانتقل طاهر باشا الى ناحية الجيزة‏.‏

استهل شهر شعبان بيوم السبت سنة 1217 فيه شرعوا في عمل متاريس جهة الجيزة وقبضوا على أناس كثيرة من ساحل مصر القديمة ليسخروهم في العمل‏.‏

وفيه حضر الكثير من العساكر المجاريح وجمع الباشا النجارين والحدادين وشرع في عمل شركفلك فاشتغلوا فيه ليلًا ونهارًا حتى تمموه في خمسة أيام وحملوه على الجمال وأنزلوه المراكب وسفروه الى دمنهور‏.‏

في سادسه وفي عاشره كتبوا عدة أوراق وختم عليها المشايخ ليرسلوها الى البلاد خطا بالمشايخ البلاد والعربان مضمونها معنى ما تقدم وكتبوا كذلك نسخًا وألصقت بالأسواق وذلك بإشارة بعض قرناء الباشا المصرلية وهي بمعنى التحذير والتخويف لمن يسالم الأمراء المصرلية وخصوصًا المغضوب عليهم مطرودين السلطنة العصاة الى آخر معنى ما تقدم‏.‏

وفي هذه الأيام كثرت الغلال حتى غصت بها السواحل والحواصل ورخص سعرها حتى بيع القمع بمائة وعشرين نصفًا الأردب واستمرت الغلال معرمة في السواحل ولا يوجد من يشتريها وكان شريف أفندي الدفتردار أنشأ أربعة مراكب كبار لغلال الميري ولما حصلت النصرة للمصرلية على العثمانية خصوصًا هذه المرة مع كثرتهم وقوتهم واستعدادهم ضبغوا فيها واحتكروها ووقفوا على سواحل النيل يمنعون الصادر والوارد منهم ومن غيرهم وأما الباشا فإنه سخط على العساكر وصار يلعنهم ويشتمهم في غيابهم وحضورهم‏.‏

وفيه حضرت جماعة من أشراف مكة وعلمائها هروبا من الوهابيين وقصدهم السفر الى اسلامبول يخبرون الدولة بقيام الوهابيين ويستنجدون بهم لينقذوهم منهم ويبادروا لنصرهم عليهم فذهبوا الى بيت الباشا والدفتردار وأكابر البلد وصاروا يحكون ويشكون وتنقل الناس أخبارهم وحكاياتهم‏.‏

استهل شهر رمضان المعظم سنة 1217 عملت الرؤية ليلة الأحد وركب المحتسب ومشايخ الحرف على العادة ولم ير الهلال وكان غيمًا مطبقًا فلزم إتمام عدة شعبان ثلاثين يومًا فانتدب جماعة ليلة الأحد وشهدوا أنهم رأوا هلال شعبان ليلة الجمعة فقبله القاضي وحكم به تلك الليلة على أن ليلة الجمعة التي شهدوا برؤيته فيها لم يكن للهلال وجود البتة وكان الاجتماع في سادس ساعة من ليلة الجمعة المذكور بإجماع الحساب والدساتير المصرية والرومية على أنه لم ير الهلال ليلة السبت الأحد يد البصر في غاية العسر والعجب وشهر رجب كان أوله الجمعة وكان عسر الرؤية أيضًا وأن الشاهد بذلك لم يتفوه به إلا تلك الليلة فلو كانت شهادته صحية لأشاعها في أول الشهر ليوقع ليلة النصف التي هي من المواسم الإسلامية في محلها حيث كان حريصًا على إقامة شعائر الإسلام‏.‏

وفيه حضرت جماعة من أشراف مكة وغيرها‏.‏

وفي خامس عشرينه حضر خليل أفندي الرجائي الدفتردار في قلة من أتباعه وترك أثقاله بالمراكب وركب من مدينة فوة وحضر على البر وذلك بسبب وقوف جماعة من الأمراء المصرلية ناحية النجيلة يقطعون الطريق على المارين في المراكب ولما حضر نزل ببيت اسمعيل بك بالأزبكية‏.‏

وفي غايته وقع ما هو أشنع مما وقع في غرته وذلك أن ليلة الاثنين غايته كان بالسماء غيم مطبق ومطر ورعد وبرق متواتر وأوقدت قناديل المنارات والمساجد وصلى الناس التراويح واستمر الحال الى سابع ساعة من الليل وإذا بمدافع كثيرة وشنك من القلعة والأزبكية ولغط الناس بالعيد وذكروا أن جماعة حضروا من دمنهور البحيرة وشهدوا أنهم رأوا هلال رمضان ليلة السبت فذهبوا الى بيت الباشا فأرسلهم القاضي فتوقف القاضي في قبول شهادتهم فذهبوا الى الشيخ الشرقاوي فقبلهم وأيدهم وردهم الى القاضي وألزمه بقبول شهادتهم فكتبوا بذلك إعلامًا الى الباشا وقضوا بتمام عدة رمضان بيوم الأحد ويكون غرة شوال صبحها يوم الاثنين وأصبح الناس في أمر مريج منهم الصائم ومنهم الفاطر فلزم من ذلك أنهم جعلوا رجب ثمانية وعشرين يومًا وشعبان تسعة وعشرين وكذلك رمضان والأمر لله وحده‏.‏

شهر شوال سنة 1217 كان أوله الحقيقي يوم الثلاثاء وجزم غالب الناس المفطرين بقضاء يوم الاثنين‏.‏

وفي خامسه وصلت أثقال خليل أفندي الرجائي الدفتردار‏.‏

وفيه طلبوا ألف كيس سلعة من التجار وأرباب الحرف فوزعت وقبضت على يد السيد أحمد المحروقي وهي أول حادثة وقعت بقدوم الدفتردار‏.‏

وفي يوم الخميس عاشره نصب جاليش شريف باشا المعبر عنه بالطوخ عند بيته بالأزبكية وضربت له النوبة التركية وأهدى له الباشا خيامًا كثيرة وطقمًا ولوازم‏.‏

وفي يوم الاثنين ثاني عشرينه كان خروج أمير الحاج بالموكب والمحمل المعتاد الى الحصوة وكان ركب الحجاج في هذه السنة عالمًا عظيمًا وحضر الكثير من حجاج المغاربة من البحر وكذلك عالم كثير من الصعيد وقرى مصر البحرية والأروام وغير ذلك‏.‏

وفي يوم الخميس خامس عشرينه خرج شريف باشا في موكب جليل ونصب وطاقه عند بركة الشيخ قمر فأقام به الى أن يسافر الى جدة من القلزم وانتقل خليل أفندي الرجائي الدفتردار الى دار شريف باشا بالأزبكية‏.‏

وفي غايته حضر أولاد الشريف سرور شريف مكة هروبًا من الوهابيين ليستنجدوا بالدولة فنزلوا ببيت المحروقي بعدما قابلوا محمد باشا والي مصر وشريف باشا والي جدة‏.‏

شهر ذي القعدة الحرام سنة 1217 استهل بيوم الأربعاء فيه تقدم الناس بطلب الجامكية فأمرهم الدفتردار بكتابة عرض حالات فثقل عليهم ذلك فقالوا إننا كتبنا عرضحالات في السنة الماضي وأخذنا سنداتنا من الدفتردار المنفصل ودفع لنا سنة ستة عشر فقيل لهم إنه دفع لكم سنة معجلة والحساب لا يكون إلا من يوم التوجيه فضجوا من ذلك وكثر لغط الناس بسبب ذلك وأكثروا من التشكي من الدفتردار‏.‏

وفي سادسه اجتمع الكثير من النساء بالجامع الأزهر وصاحوا بالمشايخ وأبطلوا دروسهم فاجتمعوا بقبلته ثم ركبوا الى الباشا فوعدهم بخير حتى ينظر في ذلك وبقي الأمر وهم في كل يوم يحضرون وكثر اجتماعهم بالأزهر وباب الباشا فلم يحصل لهم فائدة من ذلك سوى أن رسم لهم بمواجب آخر سنة تاريخه معجلة ولم يقبضوا منها إلا ما قل بسبب تتابع الشرور والحوادث‏.‏

وفي حادي عشره يوم السبت ارتحل شريف باشا الى بركة الحج متوجهًا الى السويس‏.‏

وفيه ارتحل حجاج المغاربة وكانوا كثيرين فسافر أغنياؤهم والكثير من فقرائهم من طريق البر وآخرون من السويس على القلزم‏.‏

وفي رابع عشره حضر ططريات الى الباشا وعلى يدهم شالات شريفة وبشارة بتقريره على السنة الجديدة وزيد له تشريف تترخانية ومعناه مرتبة عالية في الوزارة فضربوا شنكًا ومدافع متوالية يومين‏.‏

وفيه أشيع انتقال الأمراء المصرلية من جهة البحيرة وقبلوا الى ناحية الجسر الأسود وأشيع أيضًا أن جماعة منهم نزلوا بصحبة جماعة من الانكليز الى البحر قاصدين التوجه الى اسلامبول وانتقل كتخدا بك خلفهم بعساكره ولكن لم يتجاسروا على الإقدام عليهم‏.‏

وفيه وصلت الأخبار من الجهات الشامية بهروب محمد باشا أبي مرق من يافا واستيلاء وفي رابع عشره حضر كتخدا الباشا وتقدم الأمراء المصرلية الى جهة قبلي حتى عدوا الجيزة وحصل منهم ومن العساكر العثمانية الضرر الكثير في مرورهم على البلاد من التفاريد والكلف ورعي الزروع وقطع الطرق برًا وبحرًا وكان أغات الجو الى القبلية وهو نجيب أفندي كتخدا الدفتردار وصحبته أرباب مناصب عدوا الى الجيزة متوجهين الى الصعيد ونصبوا خيامهم ببر الجيزة فصادفوهم وهجموا عليهم وقتلوا منهم من وجدوه وهرب الباقون‏.‏

فاستولوا على خيامهم ووطاقهم وكذلك كتخدا الدفتردار خرج الى مصر القديمة متوجهًا الصعيد لقبض الغلال والأموال فاستمر مكانه وتأخر لعدم المراكب وخوفًا من المذكورين‏.‏

وفيه ورد الخبر بنزول شريف باشا الى المراكب بالقلزم يوم الخميس سادس عشره‏.‏

وفي يوم الأربعاء ثاني عشرينه طلبوا أيضًا خمسة آلاف كيس سلفة من التجار ثلاثة آلاف كيس ومن الملتزمين ألفا كيس وشرعوا في توزيعها فانزعج الناس وأغلق أهل الغورية حوانيتهم وكذا خلافهم وهرب أهل وكالة الصابون الى الشام على الهجن واختفى أكثر الناس مثل السكرية وأهل مرجوش وخلافهم فطلبهم المعينون ولزموا بيوتهم وسمروا مطابخ السكر وكذلك عملوا فردة على البلاد أعلى وأوسط وأدنى الأعلى خمسمائة ريال والأوسط ثلثمائة والأدنى مائة وخمسون‏.‏

وفيه تحقق الخبر بنزول طائفة الانكليز وسفرهم من ثغر الاسكندرية في